رمزي

رمزي



بقلم: عبدالرحمن العسلي

رمزي ! يفر كالفريسة.. يتفلتُ ويصرخ بأعلى صوته.

لقد دأبت الحياة على تعليم الشاب الحالم رمزي دروساً متنوعة، قاسية تارة وعنيفة مرات عديدة.

كان من السهل في البداية أن يصبر، وكثيرا ما كان يتظاهر برباطة الجأش والتحمل، لكنه كان من الداخل ينهار ويتصدع.

تعلم من الحياة قوانين الفراغ، العشر الوصايا للألم والقهر، الإبتهالات الحزينة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعض أملٍ في أن يستجب القدر لمطالبه الهزيلة ولو سهواً.. تعلم كيف أن قرار الإنتحار يجب أن يحضر فقط عندما تنفد كل المحاولات، وأتقن بالفعل مهارة عدم الإنحناء من المرة الأولى عند أي اختبار.

رمزي، كآلاف الشباب، يواجه الحياة منفرداً، الكل ينظر اليه ويصفق للطرف الأقوى،  لمن يثخن الآخر بالجراح.

كصراع الديكة، بين كر وفر ظل رمزي يواجه الحياة، وكان أكثر ما يهزمه الأصوات الصاخبة للناصحين، الأصوات التي تحفظ سرديات تهادن الخصم وتبث الذعر وتبعث الأنفس التي شاخت في أعماق رمزي، وأكثر تلك الأصوات قساوة كان صوتُ آية تُتلى تحفزه على التراجع والصبر والإستسلام.

الحياة لا تستقوي الا بأولئك المؤمنين، أولئك المؤمنين بالغيب على أحسن الأحوال.

ظل رمزي يطرق كل باب ويتوسل كل ذي قوة، إنه لا يبحث عن شيء يذكر، إنه يبحث عن لقمة عيش وفرصة عمل، هكذا شتته الحياة وهو يتنازل عن أشيائه الجميلة إبتغاء لقمة حلال وفرصة بحدها الأدنى كي يعيش، نعم كي يعيش فحسب!

تنازل عن حيائه، تنازل عن شهاداته، تنازل عن كرامته، تنازل عن أحلامه، تنازل عن نقائه، كان يسمع إنفعالات المسؤولين ولا يصرخ في وجوههم، لقد تنازل عن هيجانه وثوراته!

يتنقل في الصباح الباكر بين مكتب ووزارة، بين شركة خاصة ومكاتب العائلات التجارية التي توصف بــ : أصحاب الآيادي البيضاء.. غير أنه كان يعود بكثير من خيبة وخذلان حد الجنون.

من يأبه لهذا الشاب فهو لم يحمل سلاحاً قط، لم ينخرط في جماعة إرهابية ولا ينوي ذلك، بإختصار إنه لا يشكل أي تهديد على الأمن القومي إطلاقاً، ليذهب الى الجحيم هو وطموحه ومستقبله!

أصبح كل نجاح حققه رمزي طيلة سنواته الـ 25 يؤنبه ويزج به في معارك مع الذات، لم يكن يحفظ مزيداً من الدعاء أو اللعنات فقد أنفق كل ما كان يدخره عندما كان ينتشر القهر في أرجائه وهو يقدم ملفه عند مدراء المكاتب وسكرتارية المسؤولين .

الذاكرة تخذله، لقد بدأ كل شيء يتشكل بلون الإنتقام الأسود، لقد أصبح كل شيء عدواً له: المجتمع، الدعاء، القيم النظرية الكاذبة، محاضرات الناصحين، العائلة والأقارب، الأرصفة والشوارع، الوطن والمستقبل.

رمزي تلك الدمعة المتعرية على وجنة المجتمع الداعر، الطموح في مجتمع حيواني يؤمن بثقافة الغاب والعصابات، الصدق في زمن الكذب الذي يستعين بالآيات كي يبدو مؤمنا في عيون الفضيلة، الروح المتصدعة في معارك الحياة القاسية.

لقد تحالفت الحياة  مع كل شيء ضدك يا رمزي، لقد أغرت كل شيء كان يجب أن يقف مع مظلوميتك، لقد خذلتك المنابر والمحابر والمقابر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق